JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

مخوخ: رغم الأرقام المتفائلة يبدو أن المخطط الاستعجالي لم يستطع تغيير واقع الجامعة كثيرا قال إن مسؤولية تعثر الإصلاح تتحملها كل الأطراف المعنية بالتعليم



المصطفى مرادا

المساء
- هناك دينامية جديدة تشْهدها الجامعة المغربية، لكنْ، في المقابل، هناك، أيضا، إجماع على أن هناك تعثرات تُعرقِل الإصلاح الناجع لهذه الجامعة بالاستناد إلى حجج، هي أيضا، موضوعية،

مثل استمرارها في تخريج عاطلين، كيف تقرأ هذه المفارقة؟
أود أن أشير، في البداية، إلى أن موضوع الإصلاح الجامعي أثار، مند اعتماده في سنة 2000، نقاشاتٍ كثيرةً وحادة في الوسط الجامعي، أفرزتْ مواقفَ مختلفة ومتباينة أحيانا، فمن الأساتذة الباحثين من رفضوه جملة وتفصيلا ومنهم من قبلوا به، شريطة توفير الموارد المادية والبشرية اللازمة لتفعيله.
شخصيا، كنت من المدافعين عن الموقف الثاني، لعدة أسباب، منها: «إفلاس» النظام الجامعي القديم، إذ لا أعتقد أني في حاجة إلى التفصيل في هذا الموضوع. أكتفي فقط بالتذكير بأن كل الجهات المعنية بالتعليم العالي، من وزارة وصية وإدارات محلية وأساتذة باحثين وطلبة، كانت تُجمع على إفلاس النظام القديم وعلى ضرورة إصلاحه على الفور، غير أنه يبدو لي أن الإصلاح الجامعي شكّل خطوة متقدمة بالنسبة إلى النظام القديم. فكما هو متعارَف عليه، كل إصلاح هو مجرد محاولة لتجاوز هفوات النظام القائم، قد تكشف الممارسة اللاحقة عن عيوبه وحدوده. وعليه، فالإصلاح هو نشاط مسترسل على الدوام. ومن هذا المنظور، بدا لي أن الإصلاح الجامعي استطاع أن يتجاوز جملة من ثغرات النظام القديم. فعلى سبيل المثال، كثيرون هم الطلبة الذين قضوا أزيدَ من ثمان سنوات للحصول على الإجازة في النظام القديم، في حين حدد النظام الجديد المدة القصوى للحصول على هذه الشهادة في أربع سنوات ونصف. على المستوى البيداغوجي، كان الأساتذة مُلزَمين بتدريس مواد محددة بقانون، في حين أتاح النظام الجديد للأساتذة إمكانية مراجعة المسالك القائمة، بل واقتراح مسالك جديدة، على رأس كل ثلاث سنوات. وأخيرا، يعترف الجميع بأن عملية التقويم، التي تُشكّل أحدَ المعايير الأساسية لمصداقية التكوين، كانت مطبوعة بالعشوائية في النظام القديم، في حين أتاح النظام الجديد فرصا حقيقية للقيام بتقويم أفضل بكثير...
- فعلا، هناك معطيات كثيرة تعيشها الجامعة المغربية اليوم تُزكّي هذا التحليل، لكن هذا لم يمنع من تضارب القراءات لِما تم إنجازه حتى الآن.. وهذا التضارب يمنع بلورة رؤية تشخيصية موضوعية لواقع هذه الجامعة؟...
بمناسبة حديثك عن القراءات، فبعد مرور فترة على الشروع في تطبيق الإصلاح، فَرضتْ عملية تقويمه نفسَها بإلحاح، ولذلك أثار هذا الموضوع نقاشات كثيرة، كشفت وجود ثلاث مقاربات مختلفة، هناك ما يمكن تسميته «المقاربة الاحتفالية»، والتي اتجهت صوب التركيز على الإنجازات وغض الطرف عن الثغرات أو التقليل من شأنها، في أحسن الحالات، و«مقاربة عدمية»، اتجهت صوب نفي أي إنجاز واكتفت بالتقاط الهفوات التي كشف عنها تفعيل الإصلاح، وأخيرا مقاربة أستطيع وسمها ب«الواقعية»، رامت تجاوز المقاربتين السابقتين عبر إخضاع الموضوع لتشريح دقيق استهدف إبراز مَواطن قوة وضعف الإصلاح.
استنادا إلى هذه المقاربة، يبدو لي أنه رغم وجود بعض الإنجازات المهمة، التي أصبحت بادية للعيان، عرف الإصلاح، وما يزال يعرف، صعوبات حقيقية. والواضح أن «مشروع البرنامج الاستعجالي 2009-2012»، الذي استهدف إعطاء «نفَس جديد لإصلاح منظومة التربية والتكوين»، هو اعتراف صريح بتعثر إصلاح التعليم، بما في ذلك الإصلاح الجامعي. واليوم، ونحن على مَشارف نهاية البرنامج الاستعجالي، يبدو لي أن الوضع لم يتغير كثيرا، رغم التصريحات والأرقام «المتفائلة»، التي تُقدّمها السلطة الوصية من حين إلى آخر.
- ما هي، في نظرك، أسباب تعثر هذا الإصلاح؟
أعتقد أن الأمر يتعلق بأهمّ سؤال على الإطلاق في سياق النقاش الدائر حول الإصلاح الجامعي، لأن كل محاولة لتصحيح مسار الإصلاح يجب أن تنطلق من تشريح عميق لوضعيته وتحديد دقيق لأسباب تعثره. أعتقد، أيضا، أن مناقشة هذا الموضوع يجب أن تتعالى عن الاعتبارات الذاتية والحسابات الضيّقة، لأن الأمر يتعلق بموضوع يرهن مستقبل الوطن...
لا يمكن، في مثل هذا الحوار، أن أُلِمّ بمختلف جوانب الموضوع، لكنْ يمكنني أن أؤكد أن مسؤولية تعثر الإصلاح الجامعي هي مسؤولية مشترَكة بين جميع الأطراف المعنية بالتعليم العالي، من سلطة وصية وإدارات محلية وأساتذة باحثين وطلبة. أكتفي هنا بتقديم عنصرين، على سبيل المثال.
منذ انطلاق الإصلاح، كان واضحا أن نجاحه مرهون بتوفير الموارد المادية والبشرية الكافية. فرغم الوعود المتكررة للأطراف المسؤولة ورغم المجهودات التي بُذِلت في إطار البرنامج الاستعجالي، فإن مشكل نقص الموارد المادية والبشرية ما يزال مطروحا. ومما لا شك فيه أن تداعيات كثيرة وخطيرة ترتبت عن هذا المشكل جعلت من أهداف الإصلاح المعلَنة مجردَ أحلام بعيدة، إن لم أقل مستحيلة المنال. فعلى سبيل المثال، ركز الإصلاح كثيرا على عنصر الجودة في التكوين. ومعلوم أن هذه الأخيرة تقتضي، من بين ما تقتضيه، تدريس الطلبة في مجموعة ذات أعداد مقبولة. غير أن هذه العملية ما تزال غير متاحة بالمرة، بالنظر إلى ضعف البنية التحتية (النقص المهول في الأقسام والتجهيزات الضرورية) وبالنظر إلى لنقص الحاصل في الأطر التربوية. أعتقد أن هذا المشكل سيزداد تفاقما سنة بعد أخرى، بالنظر إلى ازدياد عدد الطلبة الجدد المسجَّلين في المؤسسات الجامعية.
ومن جهة أخرى، يبدو لي أن شريحة واسعة من الأساتذة الباحثين تتحمل مسؤولية كبيرة في ما آلت إليه الجامعة المغربية. أدرك جيدا أن هذا الموضوع ما يزال يشكل أحد «الطابوهات» المسكوت عنها في الوسط الجامعي. غير أني أعتقد أنه حان الوقت للتخلص من شعار «انصُر أخاك ظالما أو مظلوما»، في أفق مغرب جديد، بدأت تلوح ملامحه الكبرى في الأفق...
قلت، سابقا، إن عددا لا يستهان به من الأساتذة الباحثين رفضوا الإصلاح الجامعي منذ اعتماده. فمنهم من رفضوه لاعتبارات سياسية جديرة بالاحترام ومنهم من رفضوه (وهذا هو حال أغلبية الرافضين) لاعتبارات ذاتية متنوعة، الشيء الذي يسمح بالقول إن الإصلاح الجامعي لقيّ مقاومة من طرف الأساتذة الباحثين منذ البداية، وما زالت هذه المقاومة قائمة إلى اليوم، وإن سلكت مسالكَ مختلفة، مثل الانسحاب واللا مبالاة، علما أن الانخراط الفعلي في الإصلاح يتطلب من الأساتذة الباحثين، علاوة على الاستيعاب العميق له (فلسفته، مقاصده وآلياته)، انشغالا متواصلا وفعلا مسترسلا.
- اسمح لي بالعودة إلى شق من سؤالي الأول، والمتعلق باستمرار الجامعة في تخريج العاطلين، هل المشكلة فعلا في الجامعة أم في الذهنية المغربية، التي تُفضّل «أمان» الوظيفة العمومية على «مغامرة» القطاع الخاص؟
هذه مشكلة يصعب، فعلا، اختزالُها في شعار بسيط، فقد مثّلت مشكلة تخريج التعليم العاطلين أحدَ الهواجس الكبرى لإصلاح منظومة التربية والتكوين. فالمادة السابعة من «الميثاق الوطني للتربية والتكوين» جعلت من «منح الأفراد فرصة اكتساب القيم والمعارف والمهارات التي تؤهّلهم للاندماج في الحياة العملية»، إحدى الوظائف الأساسية لنظام التربية والتكوين. وفي هذا السياق، تم التأكيد على ضرورة جعل الجامعة «قاطرة للتنمية.. تزود كل القطاعات بالأطر المؤهلة»... ولهذا الغرض، طلب من الجامعة اعتماد تكوينات تسمح للخريجين بالاندماج في الحياة العملية.
يتعلق الأمر هنا بمشكل حقيقي، إن لم أقل ب«أم مشاكل» التعليم، أضرّ كثيرا حتى بصورة ومصداقية التعليم ذاته. فعلى سبيل المثال، كيف يمكن إقناع طالب بالتسلح بالحماس والجِدّ والأمل وهو يعرف العشرات من خريجي الجامعات، العاطلين مند سنوات؟...
فرغم المجهودات الكبيرة التي بذلتها الجامعة المغربية في السنوات الأخيرة للاستجابة لهذا المطلب، مثل خلق عدد مهمّ من الإجازات الممهننة والماستر المتخصص وفتح أبواب التكوين المستمر، فإن معضلة تخريج العاطلين ما تزال قائمة، بل يبدو أنها تزداد استفحالا سنة بعد أخرى. أعتقد أن الجامعة ستظل مطالَبة بمزيد من الانفتاح على محيطها وبتطوير تكويناتها المُمهنَنة من حيث الكم والكيف معا. وفي المقابل، يجب الإقرار بأن مسؤولية هذا الوضع لا تقع على عاتق الجامعة وحدها، بل إنها على هذا المسمى «سوق الشغل»، بالدرجة الأولى... وهنا أكتفي بطرح بعض الأسئلة: يطلب من الجامعة أن تقدم تكوينات تستجيب ل»حاجيات سوق الشغل»، لكن من حق الجامعة أن تسأل: ما هي هذه الحاجيات؟ على من تقع مسؤولية تحديد الحاجيات الآنية والمستقبلية ل«سوق شغل» ضبابي؟ كيف نُفسّر عطالة خريجي الإجازات المُمهنَنة في المجالات المختلفة، رغم حداثة عهدها؟ بل وكيف نفسّر عطالة خريجي مؤسسات التكون المهني والمعاهد التقنية العليا؟...
أما كيف يمكن إنجاح الإصلاح فيبدو لي أن الجواب عن هذا السؤال صعب للغاية. ففي الظروف الراهنة، لا أحد يستطيع أن يزعم أنه يمتلك جوابا مفعما ونهائيا عن هذا السؤال... أعتقد أن هذه المهمة تفرض، أولا، القيام بتقويم شامل، هادئ وهادف للإصلاح الجامعي، يتجه صوب إنجاز تشريح دقيق له، يسمح بإبراز إنجازاته وهفواته وتحديد أسباب التعثر والمسؤوليات بالدقة والجرأة المطلوبتين واقتراح الحلول المناسِبة وآليات تفعيلها.
فكما قلت سابقا، نحن الآن على مشارف نهاية البرنامج الاستعجالي، الذي اعتُمِد أصلا لدعم إصلاح التعليم، بما في ذلك الإصلاح الجامعي. وأتمنى أن يشكل هذا الحدث مناسبة لفتح نقاش وطني شامل حول الإصلاح الجامعي من «الميثاق الوطني للتربية والتكوين» إلى نهاية «البرنامج الاستعجالي».
الاسمبريد إلكترونيرسالة