JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

منظومتنا التربوية بين سؤال الهوية و مركزية المعرفة

منظومتنا التربوية بين سؤال الهوية و مركزية المعرفة

يقول الاستاد الباحث الدكتور المصطفى بوعزيز "بأن الفكر ألهوياتي ينطلق في جوهره الفلسفي من " مركزية الهوية " داخل المجتمع عكس الطرح الحداثي الذي يسير عكس ذلك , بالقول " بمركزية المعرفة " فجل الحركات المحافظة و الحركات الأصولية الدينية يؤسس خطابها على الطرح الأول أي " مركزية الهوية ".

لكل إنسان، لكل مجتمع هويته تعبر عن خصائصه مع ما يحمل من طابع الخصوصية لهذا الفرد أو المجتمع أو ذاك، وهذا الأمر سبق أن أكده ابن خلدون عندما يقول: "لكل شيء طبيعة تخصه" لكن ما ينبغي قوله هنا هو أن هذه الهويّة رغم خصوصيتها غير ثابتة، ولا تبقى على حال واحدة، فهي في تبدّل وتغيّر وتطوّر مستمر من مرحلة اجتماعية إلى مرحلة أخرى، والإنسان أكثر تطورا من سواه، فهو يختلف عن سائر الكائنات الأخرى على وجه البسيطة من نبات أو حيوان أو جماد في هذه المزية..فالإنسان هو صيرورة من التفاعلات الكثيرة من وعي وإرادة وثقافة وعلاقات وصراعات ومؤثرات كثيرة ..إلخ

الإنسان مخلوق اجتماعي يولد ويحيا في بيئة اجتماعية ما، فهويته بالتالي تتغير وتتطور بتغير وتطور المجتمعات تاريخيا، فليس هناك هوية ما دائمة وثابتة لا للفرد ولا للمجتمع، بل تكون هذه الهوية بطبيعتها الخاصة منفتحة لخصوصيات أخرى تغتني بها جراء التواصل والترابط والعلاقات وأيضا التلاقح معها، دون تغافل ربما عن عناصر أو عوامل أخرى تساهم بهذا القدر أو ذاك في بلورة الشخصية الفردية والمجتمعية، وبهذا فالشخصية الفردية والخصوصية المجتمعية في تغير وتجدد دائمين..

إن الحركات الاجتماعية الحداثية و هي تنطلق من " مركزية المعرفة " لا تنفي مقومات الهوية التاريخية ,بل تعيد صياغتها عبر عملية تفكيك لمكوناتها الرئيسية , و عملية إعادة البناء مستمرة في ذلك بالعلم كثقافة مؤسسة على عقلنة الفعل و الذهنية و المنهجية حتى في مجال تأويل الموروث التاريخي الديني و النصوص المقدسة المرتبطة به . ف " مركزية المعرفة " هي التموقع الإيجابي في العصر عبر امتلاك أحسن و أرقى ما أنتجته الانسانية من علم و تكنولوجيا ضد تقليدانية تضحي بالاقتصاد و بالعقلانية و بالفاعلية في تدبير الشأن المجتمعي و تستفيد من تقوية نفسها من ردود الأفعال و في مواجهة ما تتصوره تحديا خارجيا .
إن دور المدرسة و الثانوية و الجامعة جوهري في الارتقاء بالهوية , لكن الملاحظ خلال 55 سنة من تدبير الشأن العام المغربي , هو الفشل العيني لنظام تربوي في تحقيق أهدافه الأصيلة , و يوجد اليوم على حالة الإفلاس رغم الإصلاحات التقنوية إلتى لم تمس الجوهر .فبافتقادنا إلى مشروع تربوي وطني منفتح و مستوعب لتحولات العالم , المحيط بنا و الذين نحن جزء منه , تركنا الإيديولوجية التقليدانية تتسلل إلى المناهج المدرسية و تعشش في العقول , هي و إن توقفت زمنيا في تسكين أوجاع الهوية , فقد ضحت بالفاعلية و تنكرت للعقلانية و أخلاق المواطنة .لقد اختزلنا المشروع التربوي في التلقين و ابتعدنا عن مفهوم التربية و التعليم في المجتمع الحديث .

لقد كانت مهمة التربية في المجتمعات الزراعية التقليدية للجماعات البشرية الصغرى "الأسرة , العشيرة , القبيلة " هي تمكين تلك الجماعات من إعادة إنتاج ذاتها عن طريق نقل قيمها و أنماط عيشها للأجيال الجديدة . أما في المجتمع الصناعي الحديث , فإن مهمة التربية تغيرت كما و كيفا وعرفت الغاية المتوخاة منها تحولا جذريا .

تتميز المجتمعات الصناعية بتطور في كمية و نوعية المعارف و العلوم و التقنيات الجديدة , و هو الأمر الذي يفرض التخصص في التكوين و يتطلب تقسيما معقدا للمهام و الاشتغال . و هذا ما يفسر إقبال الدول الحديثة على إرساء بنيات تحتية تعليمية و تربوية ضخمة و مكلفة مفتوحة في وجه جميع المواطنين . و لم تكن تلك الدول تستميت في تنمية تلك البنيات و تجعل تربية المواطن أولوية الأولويات لولا يقينها بما للتربية من قيمة عليا و لما تلعبه من دور حاسم و مصيري .

و لم تعد التربية كما كان الحال في المجتمعات الزراعية ذات التراتبية الصارمة , " حلية و ديكور " يعزز شرعية نظام اجتماعي مؤسس على القهر و الغلبة , بل إنها صارت أداة التواصل المشترك و الضروري .

لم ينجح المغرب , غداة الاستقلال في صنع نظام تعليمي و تربوي يتجاوز النمط التعليمي الموروث عن الاستعمار. حيث أنتج تعليما مشتت, بين تعليم عمومي و خصوصي ربحي , و بين منظومة أوربية و أخرى مغربية , وبين تعليم أصيل و آخر عصري . بحيث يبدو و كأنه ليس هناك لا رابط ولا حد أدنى من التجانس و لا جسور تمتد فيما بينهما ,و أنتج الإقصاء و الازدواجية و النخبوية .

مع غياب المشروع المجتمعي , ظل تعليمنا أسير غياب الإرادة السياسية للإصلاح , و انهار تحت وطأة التجريب المرتجل , و لم ينصهر في برنامج تربوي ثقافي و علمي شمولي بعيد المدى .

مبدأ تعميم التعليم كشعار لمغرب ما بعد الاستعمار توقف في منتصف الطريق , بسبب افتقارنا للإرادة السياسية و لغياب التعبئة و الخيال الإبداعي .و هكذا يجد مجتمعنا اليوم نفسه مطوقا بالأمية التي تكبل مضاعفاتها الوخيمة طاقته و تعطل إمكاناته. و نكتشف بعد ذلك بأن الجهل ليس فقط عيبا , بل مكلفا و قاتلا .

للأسف لم يفلح نظامنا التعليمي إلا في ترسيخ قواعد التقليد و المحافظة و النقل الجامد دون إعمال العقل , لقد كرس هذا النظام في عقول التلاميذ كل ما يقال دون دليل أو حجة .

نظام التعليم عندنا يخلق نوعا من خداع النفس و خداع الغير لما يهيأ المتعلم للضياع الذي يقذف به لليأس و في أحضان الأصولية كحل سهل .

يتعلم التلميذ في مدرستنا عن طريق التلقين , حيث لا يعمل عقله . و إذا حدث أن تفوق بعض متعلمينا في مجالهم الخاص, فإنهم يظلون عاجزين عن إعمال العقل في فروع المعرفة الأخرى .

لقد أنتج نظامنا التعليمي بتواطىء مع المجتمع التقليدي طلابا لا يناقشون و يتقبلون المعلومة جاهزة من المدرس أو الأب أو الزعيم أو الأمير .

نظن أننا ندرس الفكر العلمي و الحس النقدي , لكننا نقوم بالعكس لما نلقن القوانين العلمية من حيث كونها حقائق مطلقة غير قابلة للنقاش بحيث يجب تعلمها و تطبيقها بدون مناقشتها. يكتسب تلامذتنا التقنية لكنها بدون روح .

النمط التقليدي للتعليم في مؤسساتنا يدرس العلم باعتباره عقيدة بينما العلم هو إعطاء نماذج نسبية و مؤقتة للواقع . فكلما ظهر تناقض في هذه النماذج تظهر نظرية علمية أخرى . فنتيجة لذلك لا يدرك المتعلم في مدرستنا معاني المعلومة التي يدرسها بل تتحول هذه الأخيرة إلى معرفة محنطة لا معنى فيها .

و لا يمكن اكتساب الفكر العلمي فقط بتعلم الرياضيات و الفيزياء بشكل صوري بدون الاهتمام باستيعاب العناصر الفيزيائية التي تشكل موضوعها . و هكذا يسقط متعلمونا في نسيان الواقع الذي يتم السعي لبسطه .

فكثيرا ما يصير التجريد ضد الطبيعة , حيث إن الفيزياء , كما يشير إلى ذلك اسمها , هي بالضبط علم الواقع .

فقد أتى مجتمع المعرفة بأنماط جديدة للمعرفة . و أصبحت ليس ماذا نعرف , بل ماذا نعرف عن الذين يعرفون . و أصبحت المعرفة , إضافة إلى كونها أداة للتواصل, أداة لكل نمو , من نمو الطفل ذهنيا ووجدانيا , كما أثبت لنا علم النفس المعرفي , إلى نمو المجتمع بأسره ثقافيا و تربويا و اقتصاديا . و ذلك بعد أن أصبحت الثقافة هي محور منظومة التنمية في مجتمع المعرفة , و أصبحت التربية فيه مرادفة للتنمية .

أمام تنامي المد الأصولي كوجه أخر لفكر المعتقد الاصطفافي و اليقين الدغمائي. فالاصطفاف و اليقين هما المدخل للفكر الأحادي ; أي نفي أي إمكان وجودي للتعدد و التنوع. فعصر المعرفة الحديثة هو الحقيقة المؤقتة و اللايقين الذي لا يعرفه إلا يقينا واحدا ، يقين الحركة والنسبية وتجديد الجديد.

الإيمان بلا يقينية المعرفة يجنب الذات التقوقع و الدغمائية و ادعاء امتلاك المعرفة ، و الذي يؤدي إلى كل أشكال سوء الفهم و التطرف الفكري و المذهبي يقول "إدغار موران" : "المعرفة هي عبارة إذن عن مغامرة لا يقينية ، تتضمن في ذاتها و بشكل دائم إمكانية التعرض للوهم و الخطأ ... و الحالة هذه ،فداخل اليقينيات المذهبية ،و الدوغمائية المتشددة نعثر على أسوء الأوهام".

فالمعتقدات الرسمية و المذاهب المهيمنة و الحقائق المتوارثة و الكليشيهات المعرفية و الأفكار الجاهزة تشكل خطرا على المعرفة و الحكم على الناس و الأفكار لأن لديها القوة الإلزامية و الزجرية و لا يتم أبدا فحصها و لا مناقشتها و ترفض البداهات باسم البداهة ,تفرض مختلف أنواع المحافظة المعرفية و العقلية.
محمد حمزة الاحداث المغربية
الاسمبريد إلكترونيرسالة