JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

"حروف الصحراء" .. سيرة أستاذ مبتدئ قذفت به الأقدار إلى "الهامش"




الجمعة 29 غشت 2014

داخل الثانوية الجديدة، وسط مركز طاطا، كان محمد بنعزيز غريبا كالأنبياء، كان مختلفا عن "قبيلة" الأساتذة و المعلمين. لم يكن يتحدث عن الترقية ولا عن العلاوات كما لم يكن مسكونا بالسؤال عن الحركة الانتقالية بقدر ما كان مهموما بـ"السؤال الثقافي" وهو إسم حَمَلَتْهُ إحدى الجمعيات المؤسسة من طرف أساتذة نفس الثانوية.

على طاولة مقهى "الصحراء" أو "قهوة مبارك"، كما يسميها سكان البلدة، كان بنعزيز يجالس الكتاب وأحيانا يجالس التلاميذ أو يجالس الأساتذة من اليمين و من اليسار، المناضلين منهم و "الخبزيين" فلم تكن لطاولة الرجل حدود إيديولوجية رغم أن النفس الحاثي باد في كتاباته.

مع بنعزيز اكتشف عدد من التلاميذ بطاطا أن رجل التعليم قادر على كتابة أشياء مختلفة غير جدادة الدرس التعليمي ويدون أمورا أخرى غير الأرقام المسجلة في كناش الدَيْن الموضوع على رف عبد الله "مول الماكلة" أو "عبد الله الفاو"، نسبة لمنظمة الأغذية و الزراعة، ذلك اللقب الذي اختاره رجال التعليم المحسوبين على صف اليسار لصاحب مطعم كان سندهم الوحيد أيام الشدة.

بنعزيز كان يحدث تلامذته عن قصصه القصيرة و منها "أراء خالتي في عرس البارحة" قبل أن يسلمهم، في وقت لاحق، نسخة من مجوعته القصصية "الدفن من وجهة نظر قانونية".

رحل محمد بنعزيز عن طاطا لكن المدينة الجنوبية بقيت مقيمة في دواخل أستاذ اللغة العربية فعاد يزورها من خلال "سيرة تعليمية" متسلسلة نشرها طيلة الصيف على إحدى الجرائد اليومية.

في سيرته يتحدث الكاتب عن تجربته كأستاذ مبتدئ تخرج حديثا من المدرسة العليا للأساتذة، رمى به قرار التعيين الى الجنوب الشرقي ليجد أمامه "معلمين جدد سرهم قرار التعيين وأساتذة قدامى غاضبون لأنهم لم ينتقلوا".

بنعزيز يعتبر أن سيرته هي سيرة المغرب من خلال طاطا بين 1996 و2003. من دستور 1996 حتى تفجيرات ماي 2003.

السيرة عند الكاتب حوار مفتوح، والحوار هو تعريف الأفكار والأشياء، كما يقول، "فكلما تحاورنا إلا وحسّنا قدرتنا على الاحتجاج والاقتراح، الحوار لا يكون إلا نقديا لأنه مبني على طرح السؤال وطلب التعليل (.. ) السيرة تتناول الإنسان كجسم وكعقل ووجدان، وليس كناشا مثل تراجم الفقهاء التي تخجل أو تترفع من ذكر حاجات الأجسام!".

يحكي بنعزيز عن النضال والاشتراكيين والشيوعيين الذين كانوا وعن القبليين والحركة الأمازيغية، أو القبلية في طبعتها الحديثة كما يقول، وعن الجمعيات الإسلامية المباركة.

إختار أستاذ اللغة العربية كتابة حالة مدنية لكل شخصية كما في روايات القرن التاسع عشر، من خلال أربع شخصيات: معلم يساري، معلم خبزي، أستاذ مسيس، وأستاذ خبزي.

يحكي عن طاطا وهوامشها من خلال كتابة تحاول جنب خطرين، الخطر الأول اجترار الأفكار الموروثة حول مهنة التعليم و الثاني خطر تكرار الخطاب اليومي حول المؤسسة التعليمية.

سيرة الكاتب، الذي وجد في هسبريس، منذ البدايات، فضاء شاسعا للتعبير عن أرائه، سيرة تبحث عن فرز المعرفة العلمية بالتعليم من الإشاعة المتداولة عبر وصف الوقائع التربوية ومدى تأثر تلك الوقائع بالمحيط الاجتماعي ثانيا كما أنها سيرة تحاول تحويل الحكايات الشفهية المشتتة إلى معرفة موثقة عن التعليم بالمدينة.

"حروف الصحراء" سيرة أستاذ لم يحجب عنه غبار الطباشير ما يحدث داخل و خارج حجرة الدرس. إنها سيرة أستاذ يحاول ببساطة "ربط المؤسسة التعليمية بمحيطها الخارجي"، تماما كما يقال في مقدمة كل برنامج حكومي يتوخى النهوض بقطاع التعليم إلا أن محمد بنعزيز جعل فعلا من الأدب ذلك الجسر الرابط بين المؤسسة و المحيط.
هسبريس – رشيد البلغيتي
الاسمبريد إلكترونيرسالة