JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

توفيق بوعشرين يكتب عن مسلسل الفضائح في عهد حكومة حزب العدالة و التنمية

توفيق بوعشرين: مسلسل الفضائح
توفيق بوعشرين
 الجمعة 2015-06-12


لا نخرج من فضيحة إلا لنسقط في فضيحة جديدة. لا نخرج من فاجعة إلا لننصب سرادق عزاء في أخرى، والمتهم دائما هو نمط الحكامة، أسلوب التدبير، سياسة الحكومة، أعطاب الدولة، وغياب المحاسبة…
شهادة الباكالوريا التي فقدت الكثير من قيمتها في المملكة السعيدة لم يكن ينقصها إلا تسريب ورقة الامتحان هذه السنة على الفايسبوك قبل موعد الاختبار لتشتعل شرارة الاحتجاجات وسط المدارس، وليكفر المغاربة بما بقي لهم من أمل في نظام التعليم بهذا البلد…
كالعادة، ستقول الوزارة إنها ستفتح تحقيقا لمعرفة المجرم الذي سرب الامتحان إلى الجمهورية الزرقاء قبل دخول التلميذ إلى الفصل، وسيعثرون بلا شك على المتهم، وهو، في الغالب، من أسرة التعليم، لكن من يعثر على الدواء الشافي لأعطاب هذه المدرسة التي لم تعد قادرة حتى على تأمين سرية ورقة الامتحان إلى حين موعد الاختبار.
الباكالوريا التي أصبح مستوى جل حامليها لا يسعفهم للقراءة ولا الكتابة ولا الحساب، لم تكن تنقصها إلا رصاصة الرحمة هذه، وها هو الفايسبوك يعري المستور، ويجعل الفضيحة فضائح، «واللي ما شرا يتفرج». الآن لنغرس السكين في عمق الجرح أكثر لنعرف الأسباب التي تجعل 34 طفلا وراشدا يحترقون في حافلة طانطان، و11 بطلا في التيكواندو يغرقون في البحر، وعشرات المواطنين يغرقون في فيضانات كلميم، و4700 مغربي يقضون نحبهم في حوادث السير على الطرقات كل سنة، ولماذا لا نتوفر على مخطط لإنقاذ أرواح مئات الآلاف من المواطنين المحكومين بالإعدام مع وقف التنفيذ، والمقصود أولئك الذين يعيشون في منازل آيلة للسقوط اليوم وغدا…
يستطيع المرء أن يملأ مجلدات بالأعطاب التي ينوء بها البلد، والمخاطر التي تهدد أرواح عباد الله، لكن السؤال هو: لماذا يغرق المغرب في هذا الكم من الفضائح والكوارث والمخاطر التي لا نرى منها إلا الجزء البسيط، مثل جبل الجليد الذي لا يظهر منه إلا جزء صغير؟
السبب هو غياب مشروع لإصلاح الدولة.. مشروع لإصلاح الإدارة أولا، وأسلوب الحكامة ثانيا، وطرق التدبير ثالثا، وثقافة المحاسبة رابعا، وتفويض الخدمات والمرافق، التي لا تعرف الدولة كيف تدبرها، إلى الخواص وإلى الشركات العامة والخاصة.
الإدارة معطوبة لأنها آلة عتيقة و«سمينة»، وبدون روح إبداعية، ولا آليات للمراقبة، ولا حوافز لتشجيع الموظفين الجيدين ومعاقبة المستهترين. أكثر من هذا، الإدارة أصبحت جسما مقاوما للإصلاح، له أسنان وأظافر يشهرها حزب الفساد والريع في الإدارة أمام أي مشروع للإصلاح.. تدخل إلى المقاطعة أو المحكمة أو الكوميسارية أو الوزارة أو المدرسة فترى الكآبة في كل ركن، والخمول في كل الأرجاء، والبطء والروتين وغياب الفعالية هي العملة الرائجة… عدد كبير من المواطنين يفعلون كل شيء من أجل تجنب الاحتكاك بالإدارة أو الوقوف ببابها…
الحكامة هي، بالتعريف البسيط والمباشر: ممارسة السلطة السياسية بما يعود على المجتمع بالنفع العام، والحكامة هي إدارة القرار السياسي من قبل قيادات منتخبة وكفأة، هدفها تحسين جودة العيش في بلد من البلدان، وذلك بمشاركة المواطنين ورضاهم ولمصلحتهم، والحكامة، ثالثا، نمط من الإدارة قائم على الإنتاجية والشفافية والمحاسبة والتواصل والتقييم المستمر للأدوات والمناهج المعتمدة لبلوغ الأهداف المرجوة. هذه، باختصار، هي الحكامة الغائبة في الحكومة والدولة والبرلمان والأحزاب والنقابات، وغيرها من المؤسسات في أجمل بلد في العالم، والذي يريد دليلا على هذا القول فليفتح مجلدات المجلس الأعلى للحسابات، ولا ينس أن يضع إلى جانبه مسكنات لآلام الرأس.
الفضائح والكوارث والاختلالات التي تعوم على السطح بين الفينة والأخرى ليست عابرة، وليست حوادث سير طارئة.. هي تعبير عن أمراض مزمنة في البلد، وأول هذه الأمراض أن الحكومات عندنا ضعيفة حتى وإن خرجت من صناديق الاقتراع، ومواردها قليلة لأن ثلث الاقتصاد غير مهيكل، ومن ثم لا يدفع الضرائب، والذي يدفع الضريبة جزء كبير منه يتهرب. الإدارة أصبحت أقوى من الحكومة، والجزء الأكبر من القرار الاقتصادي خارج السيطرة، والدولة متورطة في قطاعات حساسة لا تعرف كيف تدبرها، فهي فلاح فاشل (أراضي سوجيطا وصوديا التي كانت عبئا كبيرا على الميزانية العامة، وكانت الدولة تصرف عليها المليارات ها هي الآن تنتج وتربح وتساهم في المخطط الأخضر بعد خوصصتها، لأن المستثمرين هم الذين يديرونها لا الموظفين). الدولة تاجر فاشل وصناعي فاشل وسياحي فاشل وبنكي فاشل ومعلم فاشل… الدولة الحديثة واجبها أن تتكلف بالأمن والجيش والقضاء وجمع الضرائب والتشريع والمراقبة، ووضع دفاتر التحملات وهيئات التقنين، وسياسات التكافل الاجتماعي، وإصلاح اختلالات السوق.. الباقي يجب أن يذهب إلى القطاع الخاص أو الوكالات المتخصصة أو المختلطة. الدولة المغربية محتاجة إلى برنامج قاسٍ للحمية حتى تتفرغ لإتقان المهام الأساسية لها، وأن تتنازل عن الباقي للمجتمع، للجهات، للمجالس المنتخبة، للقطاع الخاص…
واش فهمتوني ولا لا
الاسمبريد إلكترونيرسالة