JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

أزمة الديون العمومية وتأثيرها على الاقتصاد المغربي


أزمة الديون العمومية وتأثيرها على الاقتصاد المغربي


لحسن حداد


نظم حزب الحركة الشعبية يوم 22غشت ندوة لمناقشة قضية الديون العمومية وتأثيرها على تطور الاقتصاد المغربي في السنوات المقبلة. وأتي هذا النقاش في وقت يعرف فيه العالم تطورات اقتصادية متواترة منذ 2008، تمثلت خصوصا في أزمة مالية كان أحد أسبابها تدهور أسعار العقار في الولايات المتحدة مما أدى إلى انهيار المنتوجات المالية الثانوية (Subprimes) ؛ وأزمة الديون السيادية في أوربا خصوصا اليونان وإسبانيا وإيطاليا والبرتغال وإيرلندا وما تبعها من سياسات تقشفية وغليان اجتماعي وتفاقم في عجز الميزانيات؛ وكذلك تضخم الدين العمومي الأمريكي ووصوله أرقاما قياسية جعلت السياسيين يدخلون على الخط رغبة منهم في استغلال الوضع لأغراض انتخابوية وهو الأمر الذي دفع بمؤسسة التصنيف ستاندارد أند بور (Sandrard & Poor) إلى خفض تنقيط الولايات المتحدة الأمريكية بنقطة واحدة وذلك للمرة الأولى منذ 1917. هذا كان بمثابة زلزال أدى إلى قلق كبير في الأسواق المالية جعلها تفقد الآلاف من مليارات الدولارات في غضون أسبوع واحد جراء التهافت على بيع الأسهم واللجوء إلى سندات الخزينة المضمونة مسبقا.
أزمة الديون السيادية لا يمكن مواجهتها بسياسة تقشفية محضة أملا في ضبط عجز الميزانية والحفاظ على تصنيف محترم يضمن القدرة على جلب التمويل بعمولات منخفضة وذلك لأن سيناريو سن سياسية جد صارمة في ميدان الإنفاق قد تؤدي إلى ركود اقتصادي قد يؤدي بدوره إلى تدهور في الجبايات العمومية وفي قدرة الحكومات على تأدية الديون المستحقة، وهو ما يجعل المستثمرين أكثر قلقا ويؤدي إلى بلبلة أكثر في أسواق المال، مما يقوض ثقة رجال الأعمال والمستهلكين وينتج عنه ركود اقتصادي أكثر......
هذه هي الحلقة المفرغة التي عبرت عنها كريستين لاغارد، المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، التي قالت بأن خفض عجز الميزانيات العمومية لا يجب أن يؤثر سلبا على النشاط الاقتصادي وأن على الحكومات محاولة التوفيق بين التوازنات الماكرو اقتصادية وبين تشجيع الاستثمار والإنتاجية والاستهلاك. وهو ما قرأه الكثير على أنه تأكيد من صندوق النقد الدولي على أن بعض الليونة واجبة للخروج من الأزمة دون التأثير على قدرة الاقتصاد على خلق الثروات والشغل، خصوصا في ظل وضع سياسي يطبعه توالي الثورات العربية ووجود صدى لها في أنحاء شتى من العالم تضررت من الأزمة المالية وارتفاع الأسعار والتحولات المناخية والتجارة اللامتكافئة وغيرها.
ما موقع المغرب من كل هذا؟ ما هو تأثير هذه الوضعية على الاقتصاد المغربي وعلى وضعه المالي؟ هل يعني التصاعد الصاروخي للمديونية وتفاقم عجز الميزانية والارتفاع الطفيف في معدل التضخم تراجعا عن مكتسبات ثلاثة عقود من الإصلاحات والمقاربة الصارمة للتوازنات الماكرو اقتصادية والمالية العمومية؟
بالنسبة لصندوق النقد الدولي فإن تدبير التوازنات الماكرو اقتصادية والإصلاحات السياسية ساعدت المغرب على مواجهة الأزمة وارتفاع الأسعار وكذلك المطالب الاجتماعية المتعلقة بالتشغيل والأجور بنجاح. التحدي يبقى بالنسبة لصندوق النقد الدولي هو وصول المغرب إلى نسبة نمو للناتج الخام قادرة على الخفض من البطالة وتحسين مستوى عيش الساكنة. غير أن تباطؤ النمو في أوربا، شريك المغرب الأساسي، وارتفاع أسعار المواد الأولية على المستوى الدولي، أدى إلى نوع من التفاقم في التوازنات المالية، حسب صندوق النقد الدولي. ومع ذلك فإن الصورة حسب صندوق النقد ليست سلبية تماما حيث أن الناتج الداخلي الخام (ماعدا الفلاحة) تطور بشكل إيجابي وتم التحكم في التضخم بشكل صارم وتم ضمان نمو في القروض رغم انخفاض السيولة.
التحديات تكمن في تدهور الميزان التجاري وتفاقم العجز في الميزانية الراجع إلى ارتفاع صاروخي في النفقات حيث من المنتظر أن يصل العجز إلى 5,5 أو 6 %. هذا ما جعل المديونية الداخلية والخارجية ترتفع وتتخطى حاجز 50% من الناتج الداخلي العالم. لم يصل المغرب إلى مرحلة قد تجعل تنقيطه يتدهور وتجعل قدرته على جلب التمويلات والاستثمارات بشروط غير مرضية تضعف ولكنه إن استمر في هذا المنحى فإن ذلك غير مستبعد على المدى المتوسط.
الأساسي بالنسبة للمغرب هو الاستمرار في سن سياسية اقتصادية خالقة للثروات والشغل ولكن بمعدل نمو يقارب 7% من أجل رفع عائدات الضرائب وتمويل النفقات عن طريق الجبايات لا بواسطة القروض. موازاة مع ذلك، فإن السلطات العمومية حسب صندوق النقد مطالبة بمحاولة إرجاع عجز الميزانية إلى 3% على المدى المتوسط (3 سنوات) وهو ما يعني الوصول إلى نسبة للمديونية لا تتعدى 50% من الناتج الداخلي الخام.
ومن أجل الوصول إلى ذلك ينبغي وضع سياسات طموحة والتي لخصها خبراء صندوق النقد الدولي في الرفع من المداخيل عبر توسيع الوعاء الضريبي وإصلاح إدارة الضرائب، وعقلنة النفقات والتحكم فيها وتوخي النجاعة فيما يخصها وضمان استمرارية نظام المعاشات. وهذه الإجراءات هي داخلية محضة لا تتأثر كثيرا بالوضع المالي للشركاء الأساسيين إلا فيما يخص العائدات الضريبية المرتبطة بالاستثمار الخارجي (والذي هو مدعو إلى الانخفاض جراء تفاقم أزمة الديون السيادية وغليان أسواق المال).
أقترح أن نضيف إلى هذا ضرورة تحسين محيط الأعمال بشكل لا غبار عليه. التباطؤ الذي حدث في هذا المجال خلال العشرية المنصرمة، خصوصا ما يهم إصلاح القضاء وتحسين الولوج إلى التمويل والعقار وتحقيق المرونة في التشغيل وتسهيل عمليات التسجيل والحصول على الرخص وتبسيط مساطر إنهاء المقاولات إلخ، أفقد اقتصاديا كثيرا من التنافسية وجعل القدرة على جلب المستثمرين وكسب الأسواق ضعيفة. تحسين محيط الأعمال من شأنه أن يسهل عملية خلق الثروات ويؤدي في آخر المطاف إلى تنمية الجبايات لتمويل النفقات العمومية.
لا مناصة أيضا من وجود الشجاعة السياسية لإصلاح صندوق المقاصة على المديين المتوسط والطول. نعرف أن هذا الصندوق يستفيد منه االأثرياء وأصحاب المطاحن ومستوردو الحبوب أكثر من الفقراء. علينا المرور إلى تحويلات نقدية مباشرة مشروطة للمحتاجين الذين يتم التأكد من حالتهم الاجتماعية عبر بطاقة "الراميد" (Ramed) ولكن هذا يجب أن ترافقه استراتيجية وطنية لدعم الطبقات المتوسطة التي ستتضرر من التقليص التدريجي لدعم المواد الأساسية والبترولية التي يقدمها صندوق المقاصة. المرور إلى تحويلات مباشرة للفقراء ودعم الطبقة الوسطى من شانهما أن يحققا أربعىة أهداف: أولها وصول الدعم إلى الفئات المستهدفة؛ ثانيها، المساهمة في التنشيط الاقتصادي عبر تحسين القدرة الاستهلاكية لهذه الفئات؛ ثالثا، توفير جزء كبير من مجهودات الدعم التي يقوم بها الصندوق لضخها في ميزانية الاستثمار العمومي؛ رابعا، تحقيق توازنات أكثر على مستوى المؤشرات الماكرو اقتصادية خصوصا بالنسبة للمديونية العمومية في علاقتها مع الدخل الداخلي الخام وعجز الميزانية.
على المدى الطويل، يبقى العجز المتزايد في نظام المعاشات قنبلة موقوتة ستؤدي إلى الضغط بشكل كبير على ميزانية الدولة كما هو الحال مع صندوق المقاصة حاليا. إًصلاح نظام المعاشات هو ضرورة آنية يجب الانكباب عليها الآن إذا لم نرد تأدية الفاتورة خلال أقل من عقد من الآن.
هكذا نرى أن المغرب وصل إلى سقف لا يجب تجاوزه فيما يخص المديونية العمومية والعجز في الميزانية. التحدي المطروح أمامه هو الاستمرار في تحقيق النمو الاقتصادي والاحتراز لكي لا تنهار التوازنات الماكرو اقتصادية. تبدو هذه مفارقة يستعصى حلها (خصوصا في ظل توالي الأزمات المالية والاقتصادية لدى شريكنا الأساسي أوربا وتباطؤ الاقتصاد الأمريكي، المحرك الأساسي للاقتصاد الدولي( ولكن سن سياسات اقتصادية عمومية أكثر جرأة وداعمة لخلق الثروات والنمو المضطرد والرجوع التدريجي إلى عجز في الميزانية لا يتجاوز 3% ومديونية عمومية لا تتجاوز 50% على المدى المتوسط من شأنها إعادة العافية لاقتصادنا الوطني ولماليتنا العمومية.
الاسمبريد إلكترونيرسالة