JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

تجاوزات مذكرة كاتبة عامة لوزارة التعليم العالي‏


سعيدي المولودي كلية الآداب .مكناس
قبل أن تغادر السيدة "لطيفة اطريشا" منصبها ككاتبة عامة لوزارة التعليم العالي، بادرت بالسرعة المفترضة، وكأنها في صراع مع الزمن، إلى إصدار مذكرة فريدة من جنسها تحت رقم 2210 بتاريخ 17 أبريل 2009، بشأن ترقية الأساتذة الباحثين في الدرجة، وهي مذكرة فسخ الختام في مسيرتها ككاتبة عامة، شاءت من خلالها أن تساهم قدر الإمكان في مسلسل قهر الأساتذة الباحثين وإحاطتهم بشقوق أشبه بالانتقام وأقرب إلى تأديبهم وتعريضهم إلى مزيد من الهوان و كثير من الإذلال.
ويبدو أن حظ الأساتذة الباحثين مشدود إلى حقل متجدد ومتواصل من الخسارات والانكسارات، وتحمل أخطاء الكتاب العامين لوزاراتهم، ففي أواسط الثمانينيات أصدر الكاتب العام لوزارة التعليم العالي آنذاك مذكرة أو رسالة في شأن توظيف حاملي الدكتوراه ( النظام الجديد ) بصفة مؤقتة، مع خرق سافر وتجاوز صريح لكل المقتضيات والإجراءات التنظيمية والقانونية التي كان لزاما مراعاتها والخضوع لحيثياتها في صيغة تلك التوظيفات خاصة ما تعلق منها بشروط ومسطرة معادلة شهادات التعليم العالي، وهي الرسالة التي اختارت إيقاع الخطيئة لتكرس آثارها السلبية المادية والمعنوية على خط السيرورة المهنية لمجموع الأساتذة الباحثين، الذين أدوا الثمن باهضا لتكتسب الرسالة قوتها وشرعيتها الإجرائية، ومازال الأساتذة الباحثون يتجرعون مراراتها ويضمدون جراحاتها التي تعهدتها وبرعت في تكريس امتداداتها وانتشاراتها وبددت من خلالها الكثير من الحقوق والمكتسبات الثابتة.
واليوم تعيد السيدة "اطريشا" المهزلة ذاتها، وتعيد إنتاج الجرم ذاته في حق الأساتذة الباحثين، وتصر على ألا تغادر موقعها دون أن تترك قتلاها وضحاياها الذين سيتذكرون بصماتها وندوبها التي لا تبرأ.وتتضمن المذكرة قرارا بوقف وإرجاء البت والبث في ترقيات الأساتذة الباحثين في الدرجة برسم سنتي2007 و2008 وأكيد أن سنة 2009 ستنضاف إلى القائمة و سنة 2010 كذلك،.ومبررات القرار أو تعليلاته تبدو مزاجية أكثر مما هي موضوعية، ولا مرجعية تنظيمية أو قانونية تسندها، وتتلخص في وجوب انتظار الأساتذة الباحثين االمسجلين في جدول الترقي السنوي، ووقف إجراءات دراسة ملفاتهم حتى يلتحق بهم زملاؤهم الذين لم تسو وضعياتهم بعد، من منطلق "لا زربة على صلاح" وانتظار السابق اللاحق لتلتئم فلول وأشتات القافلة ويتوحد إيقاع سيرها البطيء.
ويستفاد عمليا من صيغة هذه المذكرة – القرار، "إلغاء" ترقيات الأساتذة الباحثين برسم السنوات المذكورة إلى حين، وهو إجراء تأديبي لا غبار عليه، ولا يعضده أي سند قانوني، فلوائح الترقي التي تحضرها الإدارة يتم إعدادها كل سنة وليس كل ثلاث أو أربع سنوات، وإعدادها ليس مشروطا بانتظارات وصول الذين لم تسو وضعياتهم بعد، إذ أن هؤلاء قد يدرجون في لوائح تكميلية أو أية صيغة أخرى لا يتضمن اعتمادها إلحاق أية أضرار مادية ومعنوية بمجموع الأساتذة الباحثين، وإذا كان مبرر السيدة "اطريشا" هو انتظار إدراج وضعيات الأساتذة الباحثين الذين سيخضعون لمقتضيات المرسوم رقم 2.08.12 بتاريخ 30 أكتوبر2008، فإننا نتساءل عن مدى حجية هذا المبرر، إذ أنه سيفتح أمامنا باب جهنم انتظارات لا نهاية لها، فقياسا عليه، مثلا، ينبغي انتظار تسوية وضعيات الأساتذة الباحثين الذين سيناقشون أطروحاتهم في أفق سنة 2012، و كذلك وضعيات الأساتذة الباحثين الخاضعين لمقتضيات القانون رقم 47.08 القاضي بنقل المدارس العليا للأساتذة التابعة لقطاع التربية الوطنية إلى الجامعات، إذ أن إعادة إدماجهم في سلة مقتضيات النظام الأساسي الخاص بهيئة الأساتذة الباحثين بالتعليم العالي، ستتمخض عنها وضعيات إدارية جديدة سيكون لها تأثيرها المباشر ليس على احتساب الحصيص النسبي للترقية فحسب، ولكن أيضا على تغيير خارطة وقاعدة البناء الهرمي للأساتذة الباحثين بصورة جذرية.
والقرار الذي تضمنته المذكرة لا يمكن أن يكون على صواب، إذ أنه يخالف في جوهره مقتضيات القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية، خاصة الجزء الثالث منه المتعلق بالترقية، ومخالف كذلك لمقتضيات المادة 14 من المرسوم رقم 2.96.793 بتاريخ 19 فبراير 1997 في شأن النظام الأساسي الخاص بهيئة الأساتذة الباحثين بالتعليم العالي، والتي تنص على أن الترقية تتم من درجة إلى أخرى كل سنة عن طريق جدول الترقية في الدرجة، كما أنه مخالف لمقتضيات المادة 23 من المرسوم ذاته، ومخالف كذلك لمقتضيات المادة 23 من القانون 01.00 المتعلق بتنظيم التعليم العالي التي تمنح اللجنة العلمية لكل مؤسسة جامعية صلاحية اقتراح جميع التدابير المتعلقة بالأساتذة الباحثين لا سيما ما يتعلق بترسيمهم وترقيتهم وتأديبهم، ولا مجال هنا لإقحام مذكرة السيدة "اطريشا" لأنها خارج سياق أي إجراء تنظيمي أو قانوني سليم.
هذا إضافة إلى المخالفة الصريحة لمقتضيات المرسوم رقم 2.01.2329 بتاريخ 04 يونيو 2002 بتحديد وتأليف وسير اللجنة العلمية للمؤسسة الجامعية وكذا كيفيات تعيين وانتخاب أعضائها وخاصة المادة الثانية منه.
كم أن المذكرة عبر صيغتها وطريقة تمريرها تبدو وكأنها أعلى من القانون، بل وتسمو بأحكامها عليه، والحال أن المذكرات عادة ليس لها قوة القانون بل تصدر لتيسير أو تنظيم إجراءات تنفيذ أحكام القوانين والمراسيم،وليس مخالفتها أو معارضتها أو القفز عليها وإلغاء مفعولها، أو مصادرة قوتها على مستوى التطبيق، فهل كل هذه المقتضيات كانت غائبة عن أنظار وزارة التعليم العالي والسيدة "اطريشا"، وهي تغزل طعناتها الأخيرة لقهر الأساتذة الباحثين وحرمانهم من حقهم الثابت في الترقي، وإرغامهم على السقوط في بئر انتظارات لا تنتهي.

سعيدي المولودي كلية الآداب .مكناس

الاسمبريد إلكترونيرسالة