JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

كيف اضطرت وزارة التعليم إلى التخلي عن أملاكها




«إنها زوبعة في فنجان». هذه هي التصريحات التي صاحبت الضجة المرتبطة بما آصبح يسمى «تفويت مدرسة بالحي الحسني بالدار البيضاء». إذ قادت الصراعات الانتخابية بين العدالة والتنمية وحزب الاستقلال التي اشتدت مع قرب انتخابات 25 نونبر، إلى إجازة استعمال كل الأسلحة، بما فيها «أسلحة الدمار الشامل» ولو باختلاق أحداث أو تحريف وقائع، كالخلط بين «تفويت» أرض مملوكة للدولة و«استرجاع» مالك لأرضه بعد مرور المدة القانونية عن عدم تقيد الدولة بإنجاز المرفق العمومي فوق عقاره (أنظر تصريح بوشتى الجامعي في ص: 10).

النفور

إذا كانت الأرض مخصصة لإنجاز مدرسة بحي الهناء، فما الذي جعل الوزارة لا تفي بتعهداتها؟
الجواب عن هذا السؤال- حسب ما صرح لنا به نصر الدين الحافي، المدير السابق لأكاديمية الدار البيضاء- يقتضي استحضار معطيين: المعطى الأول تجلى في أن الدار البيضاء لم تكن فيها هذه البقعة الخاصة بمرفق التعليم فقط، بل رصدت وثائق التعمير 1000 بقعة للمدارس بالبيضاء. إلا أن معظم المناطق الحاضنة لهذه البقع- يضيف الحافي- عرفت تطورا ديمغرافيا سالبا، خاصة بعمالة الفداء وأنفا وأحياء معينة بعمالة الحي الحسني (السيال والهناء مثلا)، وأخرى بعمالة عين السبع، بشكل جعل عددا هاما من المدارس يغلق أبوابه، نظرا لغياب الطلب عليها من جهة، ولوجود قطاع خاص استقطب التلاميذ من جهة ثانية (بدليل أن محيط شارع غاندي يأوي لوحده 6 مدارس خصوصية) فضلا عن الإشباع الذي حققته الدار البيضاء في مجال تمدرس الأطفال، إذ تحقق المدينة أعلى نسبة على الصعيد الوطني (98 %). بالمقابل برز المشكل في أحياء جديدة، إما أحياء فتحت في وجه التعمير، أو أحياء خلقت بشكل عشوائي بالضاحية.
وكشف الحافي أن انتهاء مفعول تصاميم التهيئة عام 1999، واضطرار الدولة إلى إرجاع الأراضي لأصحابها جعل وزارة التربية الوطنية تلجأ إلى تحيين حاجياتها عبر وضع لائحتين: لائحة تخص القطع الأرضية الواجب التخلي عنها نهائيا، ولائحة تضم البقع التي يتعين رصدها لإنجاز مرافق تعليمية. وحسب المعطيات التي توفرت لـ «الوطن الآن» فقد أسفر التحيين عن تخلي الوزارة عن 500 قطعة، ضمنها البقعة الموجودة بشارع ابن سينا بالحي الحسني المملوكة لشركة «بويبلو» (انظر حصيلة التفاوض مع الملاكين ودراسة الوكالة الحضرية حول الموضوع في ص: 12 و13).
وهذا ما يقود إلى المعطى الثاني الذي استشهد به الحافي ويكمن في أن وزارة التربية الوطنية، حتى على افتراض أنها تود حيازة عقار شركة «بويبلو» بشارع ابن سينا، فإن الثمن المحدد من طرف مديرية الضرائب يخلق النفور لدى أي وزير. فالأرض المذكورة رغم أن مالكها له الحق في استرجاعها بعد مرور عشرة أعوام على صدور تصميم التهيئة، فإن قيمتها وفق ما قررته مديرية الضرائب هو 78 مليون و684 ألف درهم (كلفة مجموع الأرض التي اشتراها المالك بحي الهناء بما فيها القطعة المخصصة للمدرسة، ومساحتها 19 ألف و671 مترا مربعا) يضاف له مبلغ المراجعة الذي حددته مديرية الضرائب في 25 مليون درهم، وهي مبالغ سددت أصلا (تتوفر «الوطن الآن» على وثائق تسديد شركة «بويبلو» للمستحقات كاملة لإدارة الضرائب، وهي الإجراءات التي باشرها الموثقان حفيظ أوبرايم وكنزة لمسفر) وهو ما يفيد أن قيمة المتر المربع حسب ما حددته مصالح نور الدين بنسودة (هو الخازن العام للمملكة حاليا، ووقتها كان مديرا للضرائب) يصل إلى 5200 درهم للمتر المربع، وهو مبلغ سيجعل قيمة حيازة العقار المخصص للمدرسة المذكورة (6300 مترا مربعا) يتجاوز 3 مليار ونصف المليار سنتيم (أنظر التفاصيل الخاصة بأرض بويبلو في مقال ابراهيم الباعمراني، النائب السابق لوزارة التعليم، في ص: 11).
فهل بمقدور الوزارة صرف هذا المبلغ الباهظ لاقتناء عقار من الخواص لإنجاز مدرسة؟

العاصفة

بقطع النظر عن إمكانية توفير السيولة لشراء الأرض، فإن السؤال الذي شكل هاجسا للسلطات العمومية هو: هل من الجدوى الاحتفاظ بأرض لمدة 20 سنة وحرمان مالكها من الانتفاع بها وصرف 3.5 مليار على شرائها وصرف مبلغ 800 مليون سنتيم أو مليار إضافية لبناء المدرسة، دون أن يأتي إليها أحد من أبناء حي الهناء وحي «السيال» الميسورين؟
هذا السؤال ظل يؤرق كل الوزراء الذين تعاقبوا على المسؤولية منذ انتهاء آجال تصاميم التهيئة (أنظر الحوار مع كل من اسماعيل العلوي وزير التربية السابق، ومحمد اليازغي، وزير إعداد التراب الوطني والتعمير في ص: 9 و10) لدرجة أن هاجس الخريطة التعليمية لم يرتبط فقط بأراضي الخواص التي رصدتها وثائق التعمير للمدارس (أو لمرافق أخرى) بل ارتبط أيضا باضطرار السلطات إلى إغلاق مدارس مبنية منذ مدة لغياب التلاميذ. وهذا الملف (أي إشكالية المدارس المغلقة منذ زمن بالبيضاء) جعل الوزير الحبيب المالكي يواجه عاصفة من الاحتجاج حينما اقترح إحداث صندوق خاص يقضي ببيع المدارس المغلقة بالدار البيضاء لتمويل بناء مدارس جديدة بالأحياء المحتاجة فعلا إلى المدارس والثانويات. إذ في عهد الوزير المالكي حددت المصالح الوزارية البدء ببيع 10 مؤسسات تعليمية مغلقة بالبيضاء واشترطت مزادا علنيا وضعت كشرط له أن لا يقل انطلاق البيع عن 10 آلاف درهم كحد أدنى، وهو ما جعل مصالح الحبيب المالكي تتوقع بأن تدر العملية ضخ 35 مليار سنتيم كعائد عن بيع المدارس المذكورة بالبيضاء، لكن بسبب الصراعات الحزبية، وعدم تسويق الضمانات اللازمة التي ستؤمن الشفافية في البيع وضمان انسياب الأموال مباشرة إلى قطاع التعليم، تم إجهاض الفكرة.
بالمقابل، انتصب فريق آخر يدعو إلى عدم بيع المدارس المغلقة وتحويلها إلى وظائف أخرى، مثلا: فرع لكليات أو لإيواء الأقسام التحضيرية (أنظر الحوار مع رئيس الجهة شفيق بنكيران في ص: 11 ).

الوطن العدد 445
أعد الغلاف:عبد الرحيم أريري
الاسمبريد إلكترونيرسالة